تغييب النخبة في تونس!!
انبنت الدولة الحديثة في تونس على أكتاف مجموعة من رواد الفكر الإصلاحي أمثال خير الدين
التونسي والجنرال حسين و عدة أسماء أخرى من الزيتونيين المتنورين أمثال الطاهر الحداد وبعض الكفاءات التقدمية من إطارات إدارية في المملكة الذين عملوا مع المستعمر وانفتحوا على تجارب حديثة وخرجوا في بعثات تكوينية وسياحية فأثمروا أفكار طموحة وتجارب إصلاحية انتقلت بالدولة من الحقبة الملكية إلى الحقبة الجمهورية التي كان من روادها جيل آخر من الإصلاحيين الشبان المتحمسين أمثال الثعالبي ومجموعة من رفاقه ثم تطور الدرس الإصلاحي مع نخب الفترات الموالية فصار هناك كوادر نقابية أثرت في المسار الإصلاحي وبناء الدولة أمثال محمد علي الحامي وعلي البلهوان وحشاد فأصبحت الحركة النقابية رفيد أساسي للحركة الإصلاحية أثمرت رجال دولة في فترات لاحقة كأحمد بن صالح الذي تدرج في المسؤوليات السياسية بفضل تجاربه وخبرته بأساسيات الحكم الرشيد فكانت له سياسات ثورية محايثة في جانب منها للسياسات الدولية المنتشرة بالعالم أنذاك من أفكار اشتراكية والتوزيع العادل للثروات. والأمر المهم أنه كان ثائرا في محاولاته الإصلاحية. ثم في مراحل لاحقة واثر حادثة الخميس الأسود لحظة تصادم الأجنحة النقابية مع الأجنحة الدستورية وكانت محنة الحبيب عاشور ومحمد الصياح،فكانت نقطة تحول بابعاد النقابيين عن العمل السياسي ومحاولة سد المنافذ أمامهم لأجل إحكام السيطرة على الحكم. و أصبح مفهوم التعددية مجرد يافطة خاوية من أي جوهر إلى حدود السنوات الأخيرة حتى قيام ثورة 14 جانفي. الوضع بعد الثورة المفروض يشهد تغير ويصبح التنافس أكثر تمثيلية وتكون النخبة فاعلة ومسؤولة أمام شعبها وتمارس صلاحياتها في تقييم الوضع وتقديم الحلول والبدائل والأفكار التي تتقدم بتونس ولكن حصل عكس ماهو متوقع حيث انسحبت النخبة وتركت المشهد لمنظومات سياسية فيها الغث والسمين على اختلاف تياراتها والأغلب غير ذوي كفاءة وتكوين يكفي عندها الولاء السياسي حيث منظومات الحكم قائمة على مبدأ الولاء وتقريب من يبالغ في المولاة والتفاني في الخدمة، ومنع الأصوات الرافضة أو الناقدة من الإقتراب من مجاميع الحكم. وبهذه التصورات القديمة مازالت دولتنا العزيزة ترزح تحت وطأة تواصل الفكر الدوغمائي الذي يغلب مصلحته على مصلحة الوطن. لهذا أعتبر أن الديمقراطية الناشئة في تونس بعد الثورة مازالت هشة نتيجة الوعي السياسي المغيب لدى الشعب ومنع النخب عن أداء دورها
بقلم :عبد المنعم العرف